عالم من البكتيريا

يتصرف الإنسان وكأنه الكائن الوحيد الذي يعيش على هذه الأرض فهو يتعامل مع البيئة التي تحيط به بعنجهية وإسراف، هذه ما يقوله كل المهتمين بالبيئة والذين يتحدثون عن نقص مصادر المياه والمساحات الخضراء وفكرة انقراض بعض حيوانات البر والبحر! وهذا الإنسان مشغول بالبحث عن الجديد واكتشاف المجهول فتجد الرحلات الفضائية الاستكشافية لاكتشاف كواكب ونجوم والرحلات الميكروسكوبية للتعرف على خلايا وكائنات لا ترى بالعين لكنها موجودة قد تصيبك بالانفلونزا أو التسمم الغذائي وغيرها من العوارض والأمراض. وقبل أن نضيع ونبتعد عن العنوان لنتحدث عن البكتيريا، هذه الكائنات البدائية الدقيقة جداً والتي عاشت في الأرض ونجت رغم تبدل الجو وتغير درجة الحرارة والظروف القاسية التي مرت بها الأرض حتى يومنا الحاضر. وأنت محاط بالبكتيريا التي قد تكون موجودة على أطراف أصابعك، على لسانك في امعائك، على طرف كوب القهوة الذي تشربه متلذذاً بطعمه كل صباح، على الملعقة التي تركتها فوق الصحن المليء بالطعام الشهي الذي ستتناوله وأنت تتحدث مع أعز اصدقائك في مطعم فاخر أو وأنت في منزلك تشاهد برنامج المفضل! البكتيريا هذه قد تكون على مقبض باب السيارة على بطاقة الصراف أو الفيزا أو طرف القلم الذي تعض عليه بين الحين والآخر مفكراً.. قد تتنفسها صباحاً ومساء، يعني ببساطة قد تكون كمية البكتيريا التي أنت محاط بها أكثر من البشر الذين تعرفهم وهي قريبة منك، جزء منك .. ولا يعني هذا أن عليك أن تصاب بحالة من الخوف المبالغ فيه أو وسواس قهري فتلجأ للعيش وسط تعقيم كامل، فالبكتيريا قد تكون صديقة لك، قد تكون وسيلة للاكتشاف، للمعرفة!

وهذا الكائن الصغير جداً الذي تحرص على تجنبه والقضاء عليه يشكل مصدراً مهماً للمعرفة، فقد تجده كبقعة بيضاء أو زرقاء تشكل مستعمرة من آلاف الخلايا التي حرص باحث على زرعها وتنميتها كي يستخدمها في تجربة ما، تتيح له أن يعرف، أن يكتشف طفرة جينية أو تغييراً ما قد يضعه في مصاف المبدعين علمياً، ولستم بحاجة إلى أن تعرفوا تفاصيل مملة عن تجارب معملية قدر حرصكم على معرفة نتائج تأثيرها علينا نحن المتلقين الذين نقف على الجانب الآخر.

مبهرة الأشياء التي حولنا .. نحتاج فقط لأن نطالعها بتروّ حتى نكتشف أهميتها بالنسبة لنا